الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
هذا الباب اشتمل على موضوعين: الأول: الأمن من مكر الله. والثاني: القنوط من رحمة الله، وكلاهما طرفا نقيض. واستدل المؤلف بقوله تعالى: (أفأمنوا). الضمير يعود على أهل القرى، لأن ما قبلها قوله تعالى: فقوله: {وهم نائمون} يدل على كمال الأمن لأنهم في بلادهم،وأن الخائف لا ينام، وقوله: والاستفهامات هنا كلها للإنكار والتعجب من حال هؤلاء، فهم نائمون وفي رغد، ومقيمون على معاصي الله وعلى اللهو، وذاكرون لترفهم، غافلون عن ذكر خالقهم فهم في الليل نوم، وفي النهار لعب، فبين الله - عز وجل - أن هذا من مكره بهم، ولهذا قال: فإذا أنعم الله عليك من كل ناحية:أطعمك من جوع، و آمنك من خوف، وكساك من عرى، فلا تظن أنك رابح وأنت مقيم على معصية الله، بل أنت خاسر، لأن هذا من مكر الله بك. قوله: وفي قوله تعالى: فإن قيل كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول أن الله ماكر، وإنما تذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحا، مثل قوله تعالى: وكذلك لا يسمى الله بها، فلا يقال: إن من أسماء الله الماكر. وأما الخيانة، فلا يوصف الله بها مطلقا لأنها ذم بكل حال، إذ أنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم، قال تعالى: وأما الخداع، فهو كالمكر يوصف به الله حيث يكون مدحا، لقوله تعالى: ويستفاد من هذه الآية: الحذر من النعم التي يجلبها الله للعبد لئلا تكون استدراجا، لأن كل نعمة فلله عليك وظيفة شكرها،وهي القيام بطاعة المنعم، فإذا لم تقم بها مع توافر النعم، فأعلم أن هذا من مكر الله. تحريم الأمن من مكر الله، وذلك لوجهين: الأول: أن الجملة بصيغة الاستفهام الدال على الإنكار والتعجب. الثاني: قوله تعالى: قوله: **** الموضوع الثاني مما اشتمل عليه هذا الباب القنوط من رحمة الله. (من) اسم استفهام، لأن الفعل بعدها مرفوع، ثم إنها لم يكن لها جواب، والقنوط: أشد اليأس، لأن الإنسان يقنط ويبعد الرجاء والأمل، بحيث يستبعد حصول مطلوبه أو كشف مكروبة. قوله: قوله: (إلا الضالون)، إلا أداة حصر، لأن الاستفهام في قوله: (ومن يقنط) مراد به النفي، و (الضالون) فاعل يقنط. والمعنى لا يقنط من رحمة الله إلا الضالون، والضال: فاقد الهداية، التائه الذي لا يدري ما يجب لله تعالى، مع أنه سبحانه قريب الغير، ولهذا جاء في الحديث: وأما معنى الآية، فإن إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة بغلام عليم قال لهم فالقنوط من رحمة الله لا يجوز، لأنه سوء ظن بالله - عز وجل - وذلك من وجهين: الأول: أنه طعن في قدرته سبحانه، لأن من علم أن الله على كل شيء قدير لم يستبعد شيئا على قدرة الله. الثاني: أنه طعن في رحمته سبحانه، لأن من علم أن الله رحيم لا يستبعد أن يرحمه الله - سبحانه - ولهذا كان القانط من رحمة الله ضالا. ولا ينبغي للإنسان إذا وقع في كربة أن يستبعد حصول مطلوبه أو كشف مكروبه، وكم من إنسان وقع في كربة وظن أن لا نجاة منها، فنجاه الله - سبحانه -: إما بعمل صالح سابق مثل ما وقع ليونس عليه السلام، قال تعالى: وتبين مما سبق أن المؤلف رحمه الله أراد أن يجمع الإنسان في سيره إلى الله تعالى بين الخوف فلا يأمن مكر الله، وبين الرجاء فلا يقنط من رحمته، فالأمن من مكر الله ثلم في جانب الخوف، والقنوط من رحمته ثلم في جانب الرجاء. *** وعن ابن عباس، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن الكبائر؟ فقال: وقال الهيثمي (1/104) رواه البزار والطبراني، ورجاله موثوقون.] قوله: في حديث ابن عباس رضى الله عنهما: (أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن الكبائر). جمع كبيرة، والمراد بها: كبائر الذنوب، وهذا السؤال يدل على أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد دل على ذلك القرآن،قال تعالى: واختلف العلماء هل هي معدودة أو محدودة؟ فقال بعض أهل العلم: إنها معدودة، وصار يعددها ويتتبع النصوص الواردة في ذلك. وقيل: إنها محدودة، وقد حدها شيءخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله، فقال: (كل ما رتب عليه عقوبة خاصة، سواء كانت في الدنيا أو الآخرة، وسواء كانت بفوات محبوب أو بحصول مكروه) وهذا واسع جدا يشمل ذنوبا كثيرة. ووجه ما قاله: أن المعاصي قسمان: قسم نهى عنه فقط ولم يذكر عليه وعيد، فعقوبة هذا تأتي بالمعنى العام للعقوبات، وهذه المعصية مكفرة بفعل الطاعات، كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقسم رتب عليه عقوبة خاصة، كاللهن، أو الغضب، أو التبرؤ من فاعله، أو الحد في الدنيا، أو نفي الإيمان، وما أشبه ذلك، فهذه كبيرة تختلف في مراتبها. والسائل في هذا الحديث إنما قصده معرفة الكبائر ليجتنبها، خلاف لحال كثير من الناس اليوم حيث يسأل ليعلم فقط، ولذلك نقصت بركة علمهم. قوله: (الشرك بالله). ظاهر الإطلاق: أن المراد به الشرك الصغر والأكبر، وهو الظاهر، لأن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، قال ابن مسعود: (1) والشرك بالله يتضمن الشرك بربوبيته، أو بألوهيته، أو بأسمائه وصفاته. قوله: (اليأس من روح الله). اليأس: فقد الرجاء، والروح بفتح الراء ريب من معنى الرحمة، وهو الفرج والتنفيس، واليأس من روح الله من كبائر الذنوب لنتائجه السيئة. قوله: (الأمن من مكر الله). بأن يعصي الله مع استدراجه بالنعم، قال تعالى: وظاهر هذا الحديث: الحصر، وليس كذلك: لأن هناك كبائر غير هذه، ولكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجيب كل سائل بما يناسب حاله، فلعله رأى هذا السائل عنده شيء من الأمن من مكر الله أو اليأس من روح الله، فأراد أن يبين له ذلك، وهذه مسألة ينبغي أن يفطن لها الإنسان فيما يأتي من النصوص الشرعية مما ظاهره التعارض، فيحمل كل واحد منها على الحال المناسبة ليحصل التآلف بين النصوص الشرعية. وعن ابن مسعود، قال: **** قوله في أثر ابن مسعود: (الإشراك بالله): هذا أكبر الكبائر، لأنه انتهاك لأعظم الحقوق، وهو حق الله تعالى الذي أوجدك وأعدك وأمدك، فلا أحد أكبر عليك نعمة من نعمة الله تعالى. قوله: (الأمن من مكر الله). سبق شرحه. قوله: والخلاصة: أن السائر إلى الله يعتريه شيئان يعوقانه عن ربه، وهما الأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، فإذا أُصيب بالضراء أو فات عليه ما يجب، تجده إن لم يتداركه ربه يستولي عليه القنوط ويستبعد الفرج ولا يسعى لأسبابه، وأما الأمن من مكر الله، فتجد الإنسان مقيما على المعاصي مع توافر النعم عليه، ويرى أنه على حق فيستمر فلا شك أن هذا استدراج. **** فيه مسائل: الأولى: تفسير آية الأعراف. وهي قوله: الثانية: تفسير آية الحجر. وهي قوله تعالى: الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله. وذلك بأنه من أكبر الكبائر، كما في الآية والحديث، وتؤخذ من الآية الأولى، والحديثين. الرابعة: شدة الوعيد في القنوط. تؤخذ من الآية الثانية والحديثين. ****
|